ولد أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا عام 980 ميلادية، وكان مولده في قرية جميلة من قرى "بخارى"، وقد نشأ "ابن سينا" نشأة هانئة، لأن والده كان واليا على "سامان"، وقد عهد به والده إلى كبار رجال العلم في "سامان" فأحسنوا تربيته وتعليمه، وقد حرص والده على تعليمه الدين قبل أي شيء آخر، لذلك كان "ابن سينا" منذ الصغر على دراية كاملة بأمور الدين والفقه والشرع والسنة.
كان "ابن سينا" منذ الصغر شغوفا بالعلم والمعرفة وقد أظهر نبوغا مبكرا تفوّق به على أقرانه، حتى أنه قد حفظ القرآن كله وهو دون العاشرة، وكان حفظه للقرآن في هذه السن المبكرة دليلا على ما يتمتع به من الذكاء وقوة الذاكرة والقدرة الفائقة على الحفظ والفهم والاستيعاب.
وعندما أتم "ابن سينا" حفظ القرآن كله، عهد به والده إلى معلم آخر من أفاضل علماء هذا العصر هو "عيسى بن يحي" الّذي تولى تعليم "ابن سينا" الطب، ثم تلقى "ابن سينا" بعد ذلك – علوم الفلسفة والمنطق على يد الفيلسوف "أبو عبد الله الناتلي" وبعد ذلك بدأ "ابن سينا" يتعمق في درس الآداب والعلوم الشرعية والهندسة والفلك وعلم النفس والاجتماع والرياضيات.
وكان أول ما درسه "ابن سينا" من العلوم الفلسفية أعمال الفيلسوف اليوناني "أرسطو"، وأعمال عظماء الفلسفة العربية أمثال: "الفرابي" و"ابن رشد"، وقد برع "ابن سينا" في كافة العلوم الّتي تلقاها على أيدي أساتذته، وقد شهدوا له جميعا بالتفوق والنبوغ والامتياز، وتنبأ له الجميع بمكانة سامقة بين العلماء والفلاسفة منذ صغره، وقد صدق ظن أساتذة "ابن سينا" في تلميذهم النابه، فقد حقق تقدما عظيما في دروسه واتسعت معارفه ونضجت أفكاره حتى لقّب بالعالم الصغير قبل أن يصل إلى مرحلة الشباب.
كان "ابن سينا" شغوفا بالعلم والحكمة إلى أقصى درجات الشغف والولع، ولذلك فقد أكب "ابن سينا" على كتب القدماء ينهل منها المعرفة، وراح يبحر بين سواحل العلوم وشتى أنواع المعارف وفي نفسه ذلك الظمأ الّذي لا يرتوي أبدا، فعقل "ابن سينا" منذ صغره كان عقلا تواقا للإحاطة بكل أنواع المعرفة، وكأنّ العالم الصغير كان يأبى على نفسه أن يحمل لقب العالم الصغير ولا يرضى لنفسه إلا بلقب "الشيخ الرئيس".
لذلك لم يكتف "ابن سينا" بالتعمق في ناحية واحدة من المعرفة، وراح يغوص في أعماق شتى أنواع المعارف والعلوم، وكانت الفلسفة وقتها هي جامعة العلوم، فلم يكن من الممكن دراسة الفلسفة دون دراسة الفلك والكيمياء والرياضيات والطب والمنطق وعلم الاجتماع والموسيقى، أي أن العالم كان عليه أن يدرس كل هذه العلوم والمعارف ويتعمق فيها حتى يصبح من علماء أهل الزمان.
وعلى الرغم من أن دراسة الحكمة بكل علومها وفروعها من المسائل والأمور الّتي لا تطيقها سوى العقول الجبارة النابغة، فإن "ابن سينا" قد تمكّن من الإبحار بين شواطئ الحكمة، بل والغوص في أعماق معارفها وعلومها بشتى أنواعها.
لكنه كان مع ذلك مولعا بالطب ولعا أشد من ولعه بسائر العلوم الأخرى الّتي تعلمها وأتقنها، وكان ولعه هذا سببا في نبوغه في الطب، حتى أصبح "علم أعلام الطب" في عصره وهو لم يزل بعد في سن الشباب.
ومع ذلك لم يكتف "ابن سينا" بما وصل إليه من مكانة بين العلماء، فواصل بحثه وتعمقه في علوم الطب والحكمة حتى تفجرت عبقريته، وساد أهل زمانه من العلماء في فروع المعرفة وشتى أنواع العلوم، ومازال "ابن سينا" يتقدم في شتى ميادين المعرفة، حتى لقّب بلقب "الشيخ الرئيس".